الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبينا المجتبى، وعلى الآل والأصحاب ومن اقتفى. أما بعد:
فهذه لفتة وتذكرة موجزة حول أصناف الناس في رمضان مع تلك الشعيرة العظيمة، والركن الثاني من أركان الإسلام، ألا وهي الصلاة. قال الله تعالى: { إنَّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً مَّوقوتاً } [النساء: 103].
وللناس في هذا الشهر المبارك مع الصلاة أحوالٌ- لا يخرجون عنها غالباً- رمنا بيانها ليكون المسلم على حذر من أن يُصنف نفسه في خطيرها وعظيمها وعلى شوق وعزم أن يرتقي إلى أكملها وأفضلها. سائلين المولى- عزّ وجلّ- أن يجعل هذا العمل خالصاً، وإليه مقرباً، وعن النار مباعداً، وأن يعفو عنّا جميعاً بمنه وكرمه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الصنف الأول
"من يصوم رمضان، ولا يصلي فيه ولا في غيره".
فهذا نقول له، أي صوم هذا الذي ترتجي ثوابه وأجره وأنت لا تصلي، أما تعلم أن الصلاة هي عمود الدين وهي أهم وآكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد علمت أن من تركها عمداً جاحداً لوجوبها كفر بإجماع المسلمين، ومن تركها تهاوناً وكسلاً كفر على القول الصحيح، وهذا حبيبك صلى الله عليه وسلم يقول: « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » ولا يخفاك أن الكافر لا يُقبل منه صيام ولا غيره.
الصنف الثاني
"من يصوم رمضان ولا يصلي إلا فيه".
أما هذا فقد أغضب ربه، وخادعه وهذا حري أن يكون عبداً لرمضان لا لرب رمضان!! وكما قيل فيه وفي شاكلته "بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان" فمن ترك الصلاة فهو كافر كما ذكرنا ولا عبرة بصيامه وصلاته في رمضان فقط.
الصنف الثالث
"من يصوم رمضان ولا يعرف الصلاة ولا الجماعة طيلة أيام العام إلا صلاة الجمعة، وصلاة المغرب في رمضان!!".
وهذا إن لم يتب من جرمه فأمره عظيم، وخطره وبيل ومرده إلى ويل. قال الله تعالى: { فويلٌ للمصلين . الَّذين هم عن صلاتهم ساهون } [الماعون:4-5] فهذا المبخوس بعد أن استفاق من نومه على صوت المؤذن أو بالأصح على وقت الإفطار والتهم ألوان الأطعمة والأشربة، ساقته قدماه- حسب العادة- إلى المسجد ومن المعتاد أن تجد المسجد في صلاة المغرب في رمضان مزدحماً وربما يضيق بالمصلين- أما سائر الفروض فهو لا يصليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهذا إن كان ممن أضاف إلى ترك الجماعة ترك الصلاة بالكلية فهو على خطر عظيم نسأل الله العافية.
الصنف الرابع
"من يصوم رمضان ويترك صلاة الفجر والظهر والعصر جماعة ويصليهن في بيته وربما كان خارج أوقاتهن".
فمن الناس من يقضي ليل هذا الشهر المبارك وأوقاته الفاضلة في المعاصي ما بين سهر على منكرات، ومجالس آثام ومعاصٍ، لا تعد ولا تحصى، فهؤلاء ضيعوا ليلهم في غضب الله، واستخدموا نعمه الظاهرة والباطنة فيما يسخطه عليهم، ويبعدهم عن رضوانه.
ولا يخفى أن من ترك الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها دونما عذر شرعي صحيح، لا تبرأ ذمته ولو عاد الصلاة ألف مرة، إذ أن كل عبادة لها وقت معلوم لا تصح إلا فيه. ومن تعمد ترك الصلاة بسهر في معصية فقد أتى كبيرة من أعظم الكبائر.
الصنف الخامس
"من يصوم رمضان ويترك صلاة الفجر طيلة العام، وربما يصليها في رمضان إن كان مستيقظاً!!".
ابتلي عدد من الناس بالتخلف عن صلاة الفجر جماعة، بل ربما عن صلاتها في وقتها- وقد تجد من أهل المساجد من نسي أو تناسى أن هناك صلاة خامسة تُدعى (صلاة الفجر)- إذ دأبهم طيلة العام السهر إلى ساعات متأخرة من الليل، فتجد أحدهم تاركاً لهذه الفريضة إما عمداً أو لعدم المبالاة بها، وفي الوقت نفسه تجده شديد العناية بضبط منبه الوقت على ساعة الدراسة أو العمل!!، ولكن في رمضان قد يصليها لا لكونه مهتماً بها لكن لدخولها في وقت صحوه ويقظته!!، ولهؤلاء نقول تذكروا أن « أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر.. » هذا هو حكم رسولك صلى الله عليه وسلم، وهل تعلم يا أخي عقوبة المنافق!؟
الصنف السادس
"من يصوم رمضان ولكنه لا يعرف طريق المسجد والجماعة لا في رمضان ولا في غيره":
وهناك فئةٌ محرومةٌ من الخير، محرومة من تفيؤ ظلال بيوت الله- نسأل الله لنا ولهم الهداية- فهم لا يعرفون المساجد ولا الجماعة حتى في هذا الشهر المبارك حيث تتنزل البركات، وتصبو القلوب إلى خالقها، فمن باب أولى أنهم لا يؤمونوها فيما سواه.
روى مسلم في صحيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " .. ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا المنافق معلوم النفاق" فهل يرضى عاقل لبيب أن يعرف في حيه بأن فلاناً لا يشهد الجماعة؟!.. بأن فلاناً منافق؟!. وهل يا ترى أن يتوانى ويتكاسل عن قصد بيت الله وقد يكون ببابه تراه حريصاً على تأديتها في بيته في وقتها؟!
الصنف السابع
"من يصوم رمضان وينشط في أوله بالصلاة إلا أنه يكسل بعد مضي أيام منه، لا سيما الأيام الفاضلة في آخره".
إن المسلم الكيس الفطن يحاول قصارى جهده أن يغتنم الفرص ومواسم الخير فالعمر قصير، والذنب كثير والخطب كبير، فرمضان موسم جد وعمل، لا نوم وكسل، ولكن من اختلطت عليه مشارب الحياة ومداخلها تجده في أول الأمر حريصاً على الخير وطرقه، ولكن ما أن يسلكه إلا وتدخل عليه الحياة ومشاغلها، فتجده تضعف همته وتخور عزائمه. وإن من الخسارة أن يكون ذلك التفريط في آخر الشهر المبارك، حيث الأيام والليالي الفاضلة التي لا يعد لها في السنة مثيل، وكفى بلية القدر فضلاً وشرفاً.
الصنف الثامن
"من يصوم رمضان ويحرص على صلاة التراويح وتجده في الوقت نفسه يتخلف ويفرط في الصلوات المفروضة".
فمما لا شك فيه أن الفرائض مقدمة على النفل، وأن الواجب مقدم على المستحب، فما عساه أن يسمى ذلك الذي يفرط في الصلوات المكتوبة، إما بالنوم وإما بالانشغال بما لا يتفق مع هذا الشهر المبارك، وفي الوقت نفسه تجده أحرص ما يكون على صلاة التراويح، فهذا قد ظلم نفسه وحرمها مما أوجب عليه، واهتم بالطاعات التي هي من باب النفل والزيادة.
الصنف التاسع
"من يصوم رمضان ويصلي مع جماعة المسلمين، إلا انه لا يحرص على إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وربما تفوته الجماعة وإضافة إلى ذلك فهو مضيع للسنن القبلية والبعدية"
وهذا مما ابتلي به الكثير من الشباب بل وممن يعدون من أهل الخير، إذ لا تراهم إلا في الصفوف الأخيرة يقضون صلاتهم. فإلى هؤلاء جميعاً نقول لهم ألا تريدون أن تكونوا ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: « من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان، براءة من النار وبراءة من النفاق » حديث حسن ولا ننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها » [رواه مسلم].
الصنف العاشر
"من يصوم رمضان ويحافظ على الصلوات جماعة، ويكون رمضان دافعاً له على تقوية إيمانه وزيادته".
وهذه الطائفة الموفَّقة هم من عُمَّار المساجد، ولرمضان في حياتهم الإيمانية أكبر الأثر، إذ تجد أحدهم في هذا الشهر المبارك من الحرص بمكان في المبادرة إلى المساجد عند الأذان أو قبيله، والمحافظة على الصفوف الأولى فهؤلاء نقول لهم، احمدوا الله واشكروه، واسألوه من فضله وتعرضوا لنفحات مولاكم، وأدعوه بالثبات على ذلك في رمضان وغير رمضان، وإياكم من نقض الغزل بعد القوة!!
الصنف الحادي عشر
"من يصوم رمضان ويصوم الأيام المسنون صومها، ويجتهد في الطاعات والقرب ما كان منها واجباً ونفلاً، وللصلاة في حياته النصيب الأكبر".
أما هؤلاء فنسأل الله أن يجعلنا منهم، فهم في جنة غناء وارفة الظلال، وهذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- يصور هذه الجنة بقوله: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة" ورغم ذلك نجد أحدهم يعمل العمل ويخشى ألا يُقبل منه، فماذا عسى أن يقول من جمع إلى الإساءة والذنب الأمن من عقاب رب العالمين وتعلق بنصوص الوعد والمغفرة والرحمة وأهمل وتناسى ما ورد في نصوص العقاب من أمور عظيمة وأهوال جسيمة يذوب القلب لسماعها- نسأل الله العافية-.
وفي آخر المطاف هذه دعوة من رب كريم رحيم طالما بادرناه بالذنوب والمعاصي وهو سبحانه يتودد إلينا بالنعم والرحمات { قُل يا عباديَ الَّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رَّحمة الله إن الله يغفر الذُّنوب جميعاً } [الزمر: 53]، نعم إنه يغفر الذنوب كلها صغيرها وكبيرها { إنَّه هُوَ الْغفور الرَّحيم } ولكن هناك أمراً لا بد من تحقيقه ألا وهو { وأنيبوا إلى ربِّكم وأسْلِمُوا له } [الزمر:54].
أخي.. عد إلى الله وأسلم له حقيقة الإسلام وقل بلسان حالك ومقالك: { ربَّنا ظَلَمْنا أنفُسنا وإن لَّم تغفر لنا وتَرْحَمْنا لنكوننَّ من الخاسرين } [الأعراف:22].
وتذكر أن سيئاتك مهما بلغت فإن الله تعالى يبدلها حسنات.. نعم حسنات!! ولا تسلم نفسك للشيطان وخطواته وكن ممن قال فيهم رب البريات { إلاَّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يُبدِّل الله سيِّئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رَّحيماً } [الفرقان:70].
وفي ختام هذه الكلمات ندعو الله تعالى بما علمنا أن ندعوه به { ربَّنا لا تُزغ قُلُوبَنَا بعد إذ هَدَيْتنا وَهَبْ لنا من لدنك رحمةً إنَّك أنت الوهَّاب } [آل عمران:8].
{ ربَّنا عليْك توكَّلْنا وإلَيْكَ أنبْنا وإلَيْكَ المَصِير } [الممتحنة:4].
هذا والله أعلى وأعلم وأعز وأكرم وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.